علي نصر (أبو العلَمين) – سفاح فرع الأمن العسكري في حمص
يلا سوريا _ رنيم سيد سليمان
اكشف غطاء الأقبية حيث يُصنع الموت قرارًا إداريًا، وتمارس الوحشية كروتينٍ يومي بدمٍ بارد، في خنادق أجهزة الأمن في عهد نظام الأسد الساقط، حيث تتحوّل الأجساد إلى أدوات قهر، والصرخات إلى خلفية يومية، و”التحقيق” إلى طقس تعذيب… كان هناك رجال لا يُشبِعهم الألم، رجال لم تخلقهم ظروف الحرب، بل انكشفت حقيقتهم فيها.
واحد من أبرز هؤلاء كان “علي نصر”، من ريف مصياف، المساعد أول في فرع الأمن العسكري بحمص، والملقّب بـ”أبو العلَمين”.
“أبو العلَمين” لقب أطلقه على نفسه، في إشارة مرعبة إلى أنه يمسك بعلم الحياة بيد، وعلم الموت باليد الأخرى، كان يُردد: “أنا أقرّر من يخرج حيًّا، ومن يخرج ملفوفًا ببطانية قديمة.”
هذه ليست شهادة ضحية، بل شهادة من عنصر أمني سابق خدم إلى جانبه، وراقب جرائمه عن قرب.
“م . م”، الملقّب بـ”أبو سلطان”، يكشف ما رآه داخل الفرع، ويوثّق ما جرى خلف الأبواب المغلقة، قائلًا: “ما رأيته في فرع الأمن العسكري بحمص لم يكن سلوكاً قاسياً فحسب، بل كان منظومة جحيم ممنهجة، يقودها رجل اسمه “علي نصر”.
لم يكن ضابطًا عاديًا، بل كان آلة تعذيب تمشي على قدمين، كان يؤمن أن الألم يُصنع بإتقان، وأن الموت فنّ يجب إتقانه.
هذا الرجل لم يكن يكتفي بالضرب أو الصعق، بل اخترع أساليب في التعذيب، لا تخطر على بال إبليس ذاته.”
أساليب التعذيب التي مارسها علي نصر كما رواها أبو سلطان:
“الدفن المؤقت”:
كان يُجبر بعض المعتقلين على الاستلقاء داخل حفرة ضيقة حُفرت خصيصًا داخل أرضية الحمام، ثم يُغلق فوقهم الغطاء المعدني، ويُتركون لساعات وسط المياه الآسنة والهواء الفاسد، لم يكن الهدف قتلهم مباشرة، بل كسر أرواحهم قبل أجسادهم.
“العزف على الجرح“:
كان يأمر عناصره بفتح جرح في جسد المعتقل – غالبًا في الفخذ أو الذراع – ثم يُدخل سلكًا معدنيًا داخل الجرح، ويقوم بثنيه وسحبه كوتر آلة موسيقية، وهو يقول: “كل صراخ نغمة”.
“خنق البخار“:
يُزَجّ بالمعتقل في حمّام صغير مُغلق تمامًا، ويُطلق البخار داخله حتى تغيب الرؤية، وتُغلق فتحات التهوية، لا يخرج المعتقل إلا وهو في حالة اختناق شبه كامل، وأحيانًا يُغمى عليه، وأحيانًا لا يخرج أبدًا.
“الكرسي الكهربائي المعدّل“:
لم يكن مجرد صعق بالكهرباء، بل صعق متقطع في مواضع “حساسة للغاية”، يُرافقه ربط اليدين بلفائف نحاسية توصل الكهرباء “مباشرة إلى العظام”، كثيرون خرجوا من هذا الكرسي غير قادرين على المشي مجددًا.
“حلق الروح“:
كان يأمر بحلق شعر المعتقل بالكامل، حتى الحواجب والرموش، ثم يُجبره على الوقوف عاريًا أمام الآخرين، ويبدأ بإهانته بألفاظ سوقية، مع ضرب بالعصي المليئة بالمسامير الصغيرة على الركبتين وأسفل القدمين.
“كيس الموت“:
من أكثر الوسائل التي اشتهر بها علي نصر، وكانت تُرعب حتى عناصر الفرع، هي وسيلة يُطلق عليها المعتقلون اسم “كيس الموت”.
حيث يُجلب كيس نايلون شفاف أو أسود، يُلفّ بإحكام على رأس المعتقل، ويُربط من أسفله بحبل حتى يُغلق مجرى الهواء تمامًا، ويُترك المعتقل بهذه الحالة لعدة دقائق، يُراقب خلالها وهو يتخبط ويختنق، حتى يغيب عن الوعي أو يفارق الحياة.
أحيانًا كان يُزَجّ به مباشرة إلى الحمّام بعد ربط الكيس، حيث تزداد حرارة الجوّ ورطوبته، ليختنق سريعًا وسط روائح المجاري.
تابع أبو سلطان شهادته بالقول:
“كان علي نصر يعاقب من لا ينهار نفسيًا بسرعة، يقول لهم: ‘إذا لم تتكسر روحك، فسنكسر جسدك حتى تلحق بها’.
كان يعتبر الصراخ لحنًا، والبكاء نغمة، والموت نتيجة طبيعية لعدم الاعتراف.”
وأضاف: إن “بعض المعتقلين كانوا يُجبرون على تعذيب بعضهم البعض، تحت التهديد، من يرفض، يُجبر على أكل فضلاته أو تُربط أعضاؤه حتى تتعفن.
وفي إحدى الليالي، سمعت صراخًا لم أسمعه من قبل، وحين فتحت الباب لأتفقد، وجدت أحد المعتقلين وقد أُجبر على الجلوس داخل برميل ماء مثلج، بعد أن صُبّت على جسده مادة كاوية.”
وأوضح أبو سلطان أن “ذلك الرجل – علي نصر – لم يكن يؤدي واجبه كما كان يدّعي، بل كان يُمارس وحشيته بنشوة، كان يخلق أدوات تعذيب من أدوات النظافة، من الأثاث، من أسلاك الكهرباء وحتى من خيوط الملابس، كل ما في الفرع كان يمكن أن يتحول إلى أداة قتل بيده.”
في الختام:
هذه الشهادة ليست لتسجيل الحقد، بل لتثبيت الحقيقة، أمثال علي نصر لا يجب أن يُنسَوا، ولا يجب أن تُمحى آثارهم تحت عنوان “انتهت الحرب”.
الجرائم لا تسقط بالتقادم، ومجرمو التعذيب لا يجب أن يعيشوا أحرارًا بينما ضحاياهم تحت التراب أو الإعاقات الدائمة.
العدالة ليست ترفًا، بل أساس لبناء أي وطن جديد، إن لم يُحاسب أمثال “أبو العلَمين”، فإننا نُعيد فتح أبواب لجحيم جديد.
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram