الأحد 29 يونيو 2025
مادة إعلانية

يلا سوريا – هيا عبد المنان الفاعور

في وقت يُفترض أن تكون فيه المرحلة الثانوية (البكالوريا) بوابة عبور للجامعات والطموحات، تحوّلت هذه السنة المصيرية في حياة الطلاب إلى كابوس حقيقي.

ففي ظل غلاء لا يرحم، ومناهج توصف بأنها “أثقل من أن تُحمل”، يجد طلاب البكالوريا في سوريا أنفسهم محاصرين بين الدروس الخصوصية المكلفة والمعاهد المرتفعة الرسوم، وبين مدارس حكومية لا تفي بالغرض، حسب رأي شريحة واسعة منهم.

ومن منصة “يلا سوريا”، نسلّط الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها الطالب السوري، ونعرض تجارب طلاب يحاولون الصمود في وجه التحديات.

ترتفع كلفة الدروس الخصوصية بشكل جنوني، إذ وصل سعر الساعة الواحدة في بعض المواد الأساسية مثل الرياضيات والفيزياء إلى 70 ألف ليرة، ما يعني أن الطالب يحتاج إلى مئات الألوف لتغطية شهر واحد فقط من المتابعة.

تتضاعف هذه الأرقام عند الحديث عن المعاهد، حيث تبلغ دورة الرياضيات الصيفية نحو مليون ليرة، والشتوية 800 ألف، في حين تُكلّف دورة الفيزياء الصيفية مليون ليرة أيضًا، والمكثفة 600 ألف.

تتفاقم المشكلة أكثر عند الدخول في تفاصيل المواد، حيث لا تُشرح بعض الوحدات كاملة في المعاهد مثل “التحليل التوافقي والاحتمالات والتكامل”، ما يُجبر الطالب على الالتحاق بدورات إضافية تصل كلفتها إلى 400 ألف ليرة.

أما دورة العلوم، فتكلف صيفًا 800 ألف وشتاءً 600 ألف.

وتُضاف إلى هذه الأعباء رسوم التسجيل غير المبررة التي تُطلب قبل بدء الدورات، فضلًا عن الجلسات الامتحانية التي يصل سعر الواحدة منها إلى 60 ألف ليرة، ودورة اللغة الإنكليزية الصيفية التي تُقدّر بـ700 ألف ليرة.

توضح إحدى الأمهات هذا الواقع المؤلم بقولها: “كلما أراد ابني الالتحاق بدورة جديدة، أشعر وكأننا نطلب قرضاً مصرفياً.

نحن نحاول جاهدين ألا يُحرم من مستقبله، ولكن الوضع أصبح فوق طاقتنا.”

وتؤكد أن تكلفة السنة الدراسية لطالب بكالوريا قد تصل إلى ما يقارب 30 مليون ليرة سورية، وربما أكثر.

يروي ليث. ع، 18 سنة – علمي تجربته قائلاً: “أنا طالب، ولست بنكاً متنقلاً، هناك مصاريف جديدة كل أسبوع، اضطررت إلى إلغاء دورة اللغة الإنكليزية من أجل توفير المال لدورة الفيزياء.”

ويضيف بحرقة: “أصبحنا نخوض الامتحانات وكأنها لعبة حظ، ونسأل أنفسنا: لماذا يُحرم طالب من كلية الطب بسبب علامتين في سؤال عن مشاعر الشاعر؟!”

تنتقل المعاناة إلى الطالبة سارة. ك، 17 سنة – أدبي التي تعبّر بصوت يختلط فيه الأمل بالألم: “أشعر أن العلم أصبح لمن يملك المال فقط، لا أستطيع متابعة كل الدورات، فأكتفي بما أستطيع تحمّله، وأحاول أن أعتمد على نفسي في باقي المواد ولكن الحقيقة مؤلمة فالمعلومات التي أحتاجها غير متوفرة في المدرسة والدروس الخصوصية تكلّف أكثر مما تقدر عليه عائلتي.

وتختم قائلة: “صرنا نقسّم المواد حسب الدخل… وكأننا نشتري مستقبلنا بالتقسيط.”

ويصف رامي. م، 18 سنة – علمي جانبًا آخر من الأزمة من زاوية المحتوى الدراسي وضغوطه:
“نحن نُغرق بالمعلومات بطريقة مرهقة، دون أي فائدة حقيقية وبعض الأسئلة تُطرح فقط ليتحدى بها المدرسون بعضهم بعضاً، وليس من أجل تقييمنا.”

ثم يتساءل بحسرة:
“لن يسألني أحد في كلية الطب عن عاطفة الشاعر في القصيدة، بل سيسألوني عن حالة مريض على ما نخسر مستقبلنا بسبب سؤال لا علاقة له بتخصصنا الذي نريده؟”

ولا تقلّ تجربة رُبى. ح، 18 سنة – أدبي قسوة، حيث توضح كيف أن الأعباء المادية أثّرت حتى على قراراتهم التعليمية:
“أنا وأختي في مرحلة البكالوريا، وأمي لا تستطيع تحمل تكاليف الدورات لكلينا، لذلك قررنا الاعتماد على منصة اليوتيوب لتخفيف الضغط على أهلنا.”

وتختصر الوضع بجملة مؤلمة:
“نحن لا نريد أن نكون عبئاً على أهلنا، ولكن الوضع أصبح لا يُطاق.”

يتحدث الأستاذ إسماعيل. م عن سبب تزايد الاعتماد على المعاهد والدورات قائلاً:
“بعض الزملاء يكتفون بشرح القليل، لأنهم متأكدون أن الطلاب سيتجهون للمعاهد الخاصة والدروس المدفوعة وهذا الواقع يدمر جوهر العملية التعليمية.”

تستمر فصول هذه المعاناة مع كل عام دراسي جديد، دون أن تلوح في الأفق بوادر إصلاح حقيقية في حين يجد الطالب السوري نفسه عالقًا بين أعباء تعليم ترهق عائلته ومنهج يفوق طاقته العقلية والنفسية، فإننا لا نتحدث عن أزمة عابرة، بل عن كارثة تربوية واجتماعية تهدد مستقبل جيل كامل.

من منصة ‘يلا سوريا’ نرفع صوت كل طالب أنهكه الغلاء، اجعلوا الطريق إلى المستقبل أيسر، فالتعليم حق لا يجب أن يكون رهينة المال.