طب الأسنان في سوريا، بين الطموحات والتحديات
يلا سوريا – هيا عبد المنان الفاعور
باتت مهنة طب الأسنان في سوريا واحدة من أكثر المهن التي تعاني من ضغوط وتحديات متراكمة، فقد أثّرت الأوضاع المعيشية وارتفاع تكاليف المواد والمعدات، بالإضافة إلى تزايد أعداد الخريجين، بشكل مباشر على فرص العمل وجودة الممارسة الطبية.
وسلّطت منصة “يلا سوريا” الضوء في هذا التقرير على واقع مهنة طب الأسنان في سوريا، من خلال شهادتين ميدانيّتين للدكتورة شهامة طعمة الطعمة والدكتورة سدرة أحمد دبدوب، اللتين نقلتا صورة دقيقة وغنيّة بالتفاصيل حول التحديات والصعوبات التي يواجهها أطباء الأسنان، لا سيّما الجدد منهم، في ظل المتغيرات الحاصلة.
تزايد أعداد الخريجين وانخفاض فرص العمل:
برزت مشكلة تضخم أعداد خريجي طب الأسنان مقابل تقلص فرص العمل كواحدة من أبرز الإشكالات التي تواجه القطاع اليوم.
وأكدت الدكتورة شهامة طعمة الطعمة أن واقع المهنة أصبح “سيئًا جدًا” نتيجة هذا التزايد، الذي أدّى إلى ازدياد المنافسة بين الأطباء دون أن يكون هناك حاجة حقيقية لهذا الكم، خاصة مع ثبات أو انخفاض عدد المرضى نسبيًا، ما جعل البعض غير قادرين على فتح عيادات، أو يلجؤون للعمل بشروط غير مهنية.
ارتفاع تكاليف افتتاح وتجهيز العيادات:
أشارت الدكتورة شهامة إلى أن الوضع الاقتصادي المتردي يحول دون قدرة الطبيب الشاب على افتتاح عيادة خاصة، بسبب ارتفاع أسعار المعدات والمواد الطبية، التي غالبًا ما تكون مستوردة وباهظة الثمن، كما أن تجهيز العيادة بوسائل حديثة أصبح شبه إلزامي، لأن المرضى باتوا يفضلون العيادات المتقدمة تكنولوجيًا، ما يضع الطبيب الجديد في مأزق مالي حقيقي.
انعدام تسعيرة نقابية واضحة… وتخبّط في الأسعار:
تطرقت الطبيبتان إلى مسألة غياب التسعيرة النقابية الموحّدة كعامل سلبي يُربك كلًا من الطبيب والمريض، فالأسعار باتت تُحدد بشكل فردي، تبعًا لمستوى الطبيب وجودة المواد وموقع العيادة، ما خلق فجوة بين الخدمات المقدّمة وتكاليفها.
وأوضحت الدكتورة شهامة أن المرضى يشتكون من ارتفاع التكاليف، في حين أن الأطباء بدورهم لا يحققون هامش ربح كافٍ نتيجة غلاء المواد وفي ظل غياب رقابة واضحة أو تسعيرة عادلة، بات الطبيب محصورًا بين كلفة عالية وضغط مجتمعي لتخفيض الأسعار.
ضعف تأهيل الخريجين الجدد وغياب التدريب العملي الكافي:
لفتت الدكتورة سدرة دبدوب إلى أن العديد من الخريجين الجدد غير مؤهلين بالشكل الكافي، بسبب اعتمادهم على حالات مثالية خلال الدراسة الجامعية، والتي لا تُشبه إطلاقًا الواقع المعقد داخل العيادات وأكّدت أن النقابات مطالبة بتوفير دورات تدريبية وورشات عملية دورية بأسعار رمزية في مختلف المحافظات، وليس فقط في دمشق، لتأهيل هؤلاء الأطباء بشكل عملي حقيقي.
الفجوة بين الأطباء المتطورين علميًا والمكتفين بالأساسيات:
بيّنت الدكتورة سدرة وجود فجوة علمية واضحة بين الأطباء الذين يسعون إلى تطوير مهاراتهم ومواكبة أحدث الأبحاث، وبين من يكتفي بما تعلّمه خلال دراسته الجامعية، واعتبرت أن هذه الفجوة أصبحت ملحوظة لدى المرضى أنفسهم، الذين بات لديهم وعي وثقافة طبية تدفعهم لاختيار الطبيب الأحدث علمًا والأكثر استخدامًا للأجهزة المتقدمة.
دور التكنولوجيا الحديثة في رفع جودة المعالجة:
أكدت الطبيبتان أن الأجهزة والمعدات الحديثة أصبحت جزءًا أساسيًا من المهنة، ليس فقط لتحسين جودة العلاج، بل لتقليل الوقت والجهد والمرضى باتوا يربطون جودة العيادة بتجهيزاتها التكنولوجية، ما يجعل الطبيب مضطرًا لمواكبة هذا التطور رغم التكلفة الباهظة، وخصوصًا في ظل غياب ضمانات حقيقية من الوكلاء المحليين لاستيراد هذه الأجهزة.
تفاوت تجهيزات العيادات بحسب البيئة الاقتصادية والاجتماعية:
أوضحت الدكتورة سدرة أن تجهيز العيادات يتفاوت حسب البيئة التي تُفتح فيها، فالعيادات في المناطق الراقية غالبًا ما تكون مجهزة بشكل متكامل، بينما في المناطق ذات الدخل المحدود، قد لا تحتوي على الحد الأدنى من التجهيزات ورغم ذلك، يظل المريض مضطرًا للرضا بالخدمة الموجودة، خصوصًا إذا كانت تكلفتها أقل.
ضعف الرقابة على شروط التعقيم والنظافة:
أبرزت الشهادتان وجود عيادات لا تلتزم بشروط التعقيم والنظافة، بسبب رغبة الأطباء في تقليل التكاليف على حساب الجودة وفي المقابل، الطبيب الذي يلتزم بالمعايير الصحية يجد نفسه مضطرًا لرفع الأسعار، ما يجعله في موقع غير تنافسي. هذا التفاوت يتطلب وجود لجان نقابية رقابية تقوم بجولات دورية وتضع حدًا لهذه الفوضى، حفاظًا على صحة المرضى وسمعة المهنة.
ضعف فرص التخصص والدراسة العليا… سبب رئيسي للهجرة:
أشارت الطبيبتان إلى أن قلة فرص الاختصاص داخل سوريا تُعد من أهم أسباب هجرة أطباء الأسنان، فالكثير من الخريجين يطمحون بالتخصص أو العمل الأكاديمي، لكنهم يصطدمون بعقبات تتعلق بالمقاعد المحدودة وغياب الإمكانيات.
وأكّدت الدكتورة سدرة أن كثيرًا من الأطباء الذين حصلوا على فرصة السفر والاختصاص في الخارج فضّلوا الاختصاص على البقاء، ما يؤكد أهمية توسيع فرص الدراسات العليا محليًا.
في ضوء هذه التحديات، يبدو أن مهنة طب الأسنان في سوريا تمر بمرحلة دقيقة تتطلب تدخلًا جديًا من الجهات المعنية، وعلى رأسها النقابات ووزارات التعليم والصحة وتأمين فرص عمل حقيقية، وتحديث المناهج، وضبط التسعيرة، وتفعيل الرقابة، وتوسيع الاختصاصات، كلها خطوات أساسية لإنقاذ هذه المهنة من التدهور.
وبين طموح الأطباء الشباب، وواقع البلاد الاقتصادي، تظل إرادة الإصلاح موجودة، وما تحتاجه فقط هو الدعم والتنظيم والعدالة.
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram