الأحد 15 يونيو 2025
مادة إعلانية

يلا سوريا – رنيم سيد سليمان

شهدت العادات والتقاليد في المجتمعات العربية تحوّلات جوهرية خلال العقود الأخيرة، نتيجة التفاعل المتسارع مع العالم الخارجي عبر التكنولوجيا، والانفتاح الثقافي، وتغير البنية الاجتماعية.

فبعدما كانت هذه العادات تُشكّل الإطار الناظم للحياة اليومية، أصبحت اليوم موضع نقاش وجدال بين جيل يتمسك بالموروث وآخر يسعى للتجديد.

أسباب التحول: من العزلة إلى الانفتاح

من أبرز دوافع تغير العادات والتقاليد هو الانفجار التكنولوجي الذي جعل العالم “قرية صغيرة”.

فلم تعد الثقافة محصورة داخل الحدود الجغرافية، بل أصبحت الثقافات تتلاقى يوميًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية والمنصات العالمية.

إضافة إلى ذلك، لعب التعليم والسفر دورًا بارزًا في نقل قيم جديدة إلى المجتمعات، كما أسهمت العوامل الاقتصادية وتغير نمط المعيشة في تعديل أولويات الناس وسلوكهم.

مظاهر التغير: بين الماضي والحاضر

انعكس هذا التغير في كثير من تفاصيل الحياة اليومية، ففي السابق، كانت العلاقات العائلية أكثر ترابطًا، والزيارات والتجمعات من الأساسيات، أما اليوم فقد تراجعت لصالح التواصل الرقمي.

كذلك، طرأت تغييرات كبيرة على أسلوب اللباس، طريقة الزواج، وحتى طقوس المناسبات الدينية والاجتماعية، التي أصبحت أكثر مرونة وأقل التزامًا بالأعراف التقليدية.

هذه التغيرات لا تعني بالضرورة التخلي عن الأصالة، لكنها تشير إلى إعادة تشكيل للثقافة المجتمعية.

النتائج والآثار: بين المكتسبات والتحديات

أثمر هذا التحول عن بعض الإيجابيات، مثل تعزيز الحرية الشخصية، وتوسيع آفاق التفكير، وتقليص بعض الممارسات التي كانت تقيّد الأفراد، خصوصًا المرأة والشباب.

لكن بالمقابل، برزت تحديات أهمها تراجع الروابط العائلية، وضياع بعض القيم مثل الاحترام والحياء، إلى جانب ضعف الانتماء للهوية المحلية أمام هيمنة الثقافة العالمية.

وهذا يطرح تساؤلاً جوهريًا: كيف نحافظ على جذورنا ونحن نواكب العصر؟

تأثير تغيّر العادات على نشأة الأطفال وسلوكهم

لم يكن الأطفال بمنأى عن تأثير التغير في العادات والتقاليد، بل كانوا من أكثر الفئات تأثرًا، ففي الماضي، كانت الأسرة الممتدة والمدرسة والمجتمع المحلي يشكّلون مصادر التربية والتوجيه، أما اليوم، فقد حلّت الشاشات والأجهزة الذكية محل كثير من تلك المصادر.

هذا التغير أدى إلى نشأة جيل أكثر انفتاحًا، لكنه أقل التصاقًا بالقيم التقليدية، مثل الاحترام، وصلة الرحم، والعمل الجماعي.

كما بات الطفل يتلقى معلوماته وسلوكياته من منصات غير خاضعة للرقابة، مما قد يؤثر سلبًا على هويته وسلوكه، إن لم يصاحب ذلك توجيه تربوي حكيم من الأسرة والمؤسسات التعليمية.

نحو توازن بين الأصالة والتجديد

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن تغير العادات والتقاليد أمر طبيعي ومشروع في ظل تطور الحياة، لكن الأهم هو أن نُحسن إدارة هذا التغير.

فليس المطلوب رفض الحداثة أو الانغلاق، بل إيجاد توازن يحفظ القيم الأصيلة ويحتضن المعارف الجديدة.

المستقبل لا يُنتظر، لكن الماضي يجب ألا يُنسى، لأنه مصدر القوة والهوية لكل أمة.