أجسادهم مقعدة… لكنهم قادوا الوعي في الثورة
يلا سوريا _ رنيم سيد سليمان
الثورة السورية لم تكن طريقًا سهلًا، لكنها كانت الطريق الوحيد.
خرج الناس في وجه الظلم لا طلبًا للفتات، بل لاستعادة ما سُرق من كرامة هذا الشعب لعقود، واجهوا القصف والرصاص والمعتقلات، فاستشهد من استشهد، وغاب من غاب، وبقي من كُتب له أن يحمل آثار المعركة في جسده إلى الأبد.
الإعاقة لم تكن نهاية الرحلة، بل بداية شكل جديد من النضال، فمن فقدوا أطرافهم، أو أُصيبوا بشلل دائم، أو خرجوا من المعتقلات بجراح لا تندمل، لم يغيبوا عن الساحة، ولم يُهزموا.
أجسادهم ربما انكسرت… لكن أرواحهم لم ولن تنحني.
يقول “ماهر .ن” (٣٩عامًا) من إحدى مدن الريف الشمالي في سوريا:
“أُصبت في قصف للطيران الحربي على أحد المراكز المدنية في بداية عام 2014. كنت أعمل متطوعًا في توثيق الجرائم وقتها، الشظايا أصابت عمودي الفقري، وأصبحت عاجزًا عن المشي.
أيام صعبة عشتها بعد الإصابة، لكن لم أندم يومًا. الثورة ما خلّتني بس أحلم بالحرية، هي علّمتني أعيشها، حتى لو فقدت القدرة على الوقوف.”
خلّفت الثورة السورية آلاف المصابين بإعاقات دائمة، أغلبها نتيجة القصف الممنهج على المناطق السكنية، أو التعذيب الوحشي في المعتقلات، أو الاستهداف المباشر للمدنيين أثناء المظاهرات.
من بين هذه الحالات، نجد من فقدوا أطرافهم، أو بصرهم، أو حركتهم بالكامل، لكن الكثير منهم رفضوا الانعزال أو الانكسار، وواصلوا مسيرتهم من مواقع جديدة: في الإعلام، أو التوثيق، أو التعليم، أو الإغاثة.
يواجه المصابون بإعاقات في مناطق الشمال السوري خاصةً تحديات ضخمة في حياتهم اليومية.
غياب البنية التحتية المناسبة، وانعدام مراكز التأهيل المتخصصة، ونقص الأدوات الطبية وأجهزة المساعدة، يجعل من أبسط الأنشطة تحديًا مرهقًا.
ومع ذلك، نراهم حاضرين في الفعاليات، ناشطين على الأرض، ومتفاعلين مع قضايا مجتمعهم، رغم الإهمال الذي يعانونه على المستوى المؤسسي.
لم تكن سوريا قبل الثورة مهيّأة لرعاية ذوي الإعاقة، وكانت النظرة المجتمعية لهم قائمة على الشفقة لا الحقوق.
ومع اشتداد الحرب، انهارت المؤسسات، وتفككت شبكات الحماية، فغابت السياسات والبرامج، وتُرك المتضررون لمصيرهم.
ومع أن بعض المبادرات المحلية حاولت تغطية الفراغ، فإن الواقع ما زال بعيدًا عن الحد الأدنى من الكرامة والعدالة.
أبطال الثورة من ذوي الإعاقة لم يكونوا ضحايا مرحلة، بل شهداء أحياء يحملون ذاكرة الثورة في أجسادهم، إعاقتهم لا تعني غيابهم، بل هي شهادة دائمة على بشاعة النظام من جهة، وعلى شجاعة الموقف من جهة أخرى.
إن تجاهل هذه الفئة خيانة أخلاقية وإنسانية لروح الثورة، فانتصار الثورة لا يُقاس فقط بسقوط النظام، بل أيضًا بقدرتنا على بناء مجتمع لا يُقصي من ضحّوا من أجله.
ومن واجبنا أن نحملهم في الذاكرة والعمل، لا كحالات إنسانية فقط، بل كجزء أصيل من مستقبل سوريا الحرة.
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram