أوستن تايس.. 13 عاماً في متاهة الأسد: من حلم التوثيق إلى لغز الاختفاء
يلا سوريا- بدر المنلا
كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في تقرير استقصائي موسّع، تفاصيل جديدة عن قضية اختفاء الصحفي الأميركي أوستن تايس في سوريا منذ عام 2012، بعد سلسلة مقابلات أجرتها مع أكثر من 70 شخصاً، من معارفه وأشخاص التقوه خلال رحلته الأخيرة.
تايس، الذي كان يبلغ من العمر 31 عامًا آنذاك، اختفى في منتصف أغسطس/آب 2012 قرب العاصمة السورية دمشق، حيث كان يغطي تطورات الثورة السورية لصالح عدة مؤسسات إعلامية بارزة، من بينها واشنطن بوست وماكلاتشي.
من طموح صحفي إلى زنزانة في دمشق
دخل تايس سوريا عبر الحدود التركية، مدفوعاً بشغف توثيق الصراع السوري من قلب الحدث، معتبراً أن تغطية هذه الحرب “واجب أخلاقي”. تسلل إلى مناطق المعارضة ثم تقدم جنوباً نحو دمشق، متنكراً أحياناً بزيّ نسائي لتجاوز الحواجز الأمنية.
رغم تحذيرات زملائه، أصر تايس على المضي في مهمته، ووصف في منشور على فيسبوك رحلته بأنها “أعظم شيء فعله في حياته”.
واحتفل بعيد ميلاده في سوريا مع مقاتلي الجيش الحر، قبل أن يختفي فجأة، بعد يومين فقط، خلال محاولته الوصول إلى بيروت.
الاعتقال الأول ومحاولة الهروب
تفيد الصحيفة أن تايس اعتُقل عند إحدى نقاط التفتيش وسلم إلى بسام الحسن، أحد كبار مسؤولي الأمن في نظام الأسد، حيث خضع للاستجواب في سجن سري بدمشق. وتشير الشهادات إلى أنه احتُجز في زنزانة تقع قرب مكتب الحسن، وتم تصوير فيديو مزيف يظهره في قبضة “مسلحين إسلاميين”، في محاولة للتضليل حول الجهة التي اختطفته.
وتمكن تايس لاحقًا من الهروب، بحسب مصادر سورية وأميركية، إلا أن هروبه لم يدم طويلاً، فقد أعيد اعتقاله بعد أن لجأ، من دون علم، إلى حي يسكنه مسؤولون أمنيون كبار، من بينهم علي مملوك.
سنوات من المحاولات الدبلوماسية.. والخيبة مستمرة
وعلى مدى 13 عاماً، حاولت الولايات المتحدة استعادة تايس، من خلال قنوات دبلوماسية وأمنية متعددة، شملت لقاءات سرية بين مسؤولي الـCIA والمخابرات السورية في كل من دمشق، عمّان، ومسقط. كما استخدمت واشنطن وسطاء من لبنان وإيران وروسيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، بدءاً من باراك أوباما، مروراً بجو بايدن، ووصولاً إلى دونالد ترامب، أبدوا اهتماماً بالقضية، إلا أن نظام الأسد ظل يرفض الاعتراف باحتجازه، متمسكاً برواية مفادها أن تايس اختطفته جماعات إسلامية.
انهيار النظام.. ولا أثر لتايس
مع سقوط النظام البائد في ديسمبر/كانون الأول 2024، رأت عائلة تايس بارقة أمل في العثور عليه.
إلا أن فتح السجون الأمنية لم يسفر عن أي أثر له، ما زاد الغموض حول مصيره.
وفي أبريل/نيسان الماضي، ظهر تطور مفاجئ حين دخل بسام الحسن، المسؤول الأمني السابق، إلى السفارة الأميركية في بيروت، وادعى أن الأسد أمر بإعدام تايس عام 2013.
لكن هذه الرواية قوبلت بتشكيك واسع، حيث نفى أحد مرؤوسي الحسن، والذي يفترض أنه نفذ الإعدام، معرفته أصلاً بتايس.
وبحسب الصحيفة، فإن الحكومة السورية الجديدة التي تشكلت بعد انهيار النظام البائد، أبدت تعاوناً في البحث عن تايس، وتتابع الآن خيوطاً جديدة بناءً على تحقيقات مع مساعدين سابقين للحسن.
أمل لا ينطفئ
رغم مرور أكثر من عقد على اختفائه، لا تزال عائلة تايس، خصوصاً والدته ديبرا تايس، تبذل جهوداً مضنية للعثور عليه.
وقبل أشهر، اطلعت العائلة على معلومات استخباراتية سرية، لكنها اعتبرتها “مخيبة للآمال”، مشيرة إلى تقاعس واضح في طريقة إدارة الحكومة الأميركية للقضية.
ورغم تغير التقديرات الاستخباراتية حول احتمال وفاته، ما زالت واشنطن، وفق تصريحات رسمية حديثة، تعتبر القضية مفتوحة.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض مؤخراً أن الحكومة الأميركية “لن تغلق هذا الملف حتى معرفة الحقيقة الكاملة”.
تايس.. الصحفي والجندي
قبل أن يصبح صحفياً، خدم تايس كجندي في مشاة البحرية الأميركية، وشارك في مهام عسكرية بالعراق وأفغانستان.
وكان يحلم منذ طفولته بأن يعمل في مجال الصحافة، وتعلّم في منزل عائلته بهيوستن مع إخوته الستة على يد والدته.
رحلته إلى سوريا كانت مدفوعة برغبة في “إعادة اكتشاف ذاته”، لكنه وجد نفسه في قلب واحد من أعقد ملفات الاختفاء القسري في العصر الحديث، داخل دولة صنفها التقرير بـ”واحدة من أكثر الأنظمة الأمنية قمعاً وسرية في العالم”.
لا تزال قضية أوستن تايس تطرح أسئلة صعبة على الإدارات الأميركية المتعاقبة، وعلى المجتمع الدولي.
ففي ظل عدم وجود دليل قاطع على وفاته أو مكان احتجازه، تبقى قصة الصحفي الأميركي رمزًا لمحنة الصحفيين المستقلين الذين يخاطرون بحياتهم في سبيل الحقيقة.
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram